المجلة | قــصـــة |نصيحة الأوزاعي للمنصور عن الأوزاعى رحمه الله قا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > قــصـــة

نصيحة الأوزاعي للمنصور
عن الأوزاعى رحمه الله قال‏:‏ بعث إليّ المنصور وأنا بالساحل فأتيته، فلما وصلت إليه وسلمت عليه استجلسنى، ثم قال‏:‏ ما الذى أبطأ بك يا أوزاعى‏؟‏ قلت ‏:‏ وما الذى تريد يا أمير المؤمنين‏؟‏ قال‏:‏ أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم‏. قلت ‏:‏ فانظر يا أمير المؤمنين أن تسمع شيئاً ثم لا تعمل به، فصاح بى الربيع وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور وقال ‏:‏ هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة، فطابت نفسى وانبسطت فى الكلام ، فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين، حدثنى مكحول عن عطية بن بشر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ ‏"‏ أيما والٍ مات غاشًّا لرعيته حرم الله عليه الجنة‏"‏ يا أمير المؤمنين ، كنت فى شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم، أحمرهم وأسودهم، ومسلمهم وكافرهم ، وكل له عليك نصيب من العدل ، فكيف بك إذا انبعث منهم فئام وراء فئام (الفئام ‏:‏ الجماعة الكثيرة من الناس) ،ليس منهم أحد إلا هو يشكو بلية أدخلتها عليه، أو ظُلامة سُقتها إليه‏.‏ يا أمير المؤمنين، حدثنى مكحول عن زياد بن حارثة عن حبيب بن سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا إلى القصاص من نفسه فى خدش خدشه أعرابيًّا لم يتعمده، فأتاه جبريل فقال ‏:‏ يا محمد ، إن الله تعالى لم يبعثك جباراً ولا متكبراً، فدعا الأعرابى، فقال‏:‏ ‏"‏ اقتص منى‏"‏ ، فقال الأعرابى‏:‏ قد أحللتك، بأبي أنت وأمى، وما كنت لأفعل ذلك أبداً، ولو أتيت على نفسى‏.‏ فدعا له بخير‏.‏ يا أمير المؤمنين، رض نفسك لنفسك، وخذ لها الأمان من ربك،‏ يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقى لمن قبلك لم يصل إليك، وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك‏، يا أمير المؤمنين جاء فى تأويل هذه الآية عن جدك {ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا } [‏الكهف‏:‏49‏]، قال: الصغيرة‏ التبسم، والكبيرة الضحك، فكيف بما عملته الأيدى، وحصدته الألسن‏.‏ يا أمير المؤمنين، بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال‏:‏ لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة، لخشيت أن أسأل عنها، فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك‏؟‏ يا أمير المؤمنين، جاء فى تأويل هذه الآية عن جدك ‏:‏ {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى }[سورة ‏ص‏:‏ 26‏] قال‏:‏ إذا قعد الخصمان بين يديك، وكان لك فى أحدهما هوى ، فلا تتمنين فى نفسك أن يكون الحق له فيفلج على صاحبه، فأمحوك من نبوتى، ثم لا تكون خليفتى، يا داود‏:‏ إنما جعلت رسلى إلى عبادى رعاء كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية، ورفقهم بالسياسة، ليجبروا الكسير، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء‏.‏ يا أمير المؤمنين، إنك قد بليت بأمر لو عرض على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه‏.‏ ثم قلت ‏:‏ يا أمير المؤمنين، قد سأل جدك العباس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمارة على مكة والطائف أو اليمن ، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ يا عم، نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها‏"‏ ‏ نصيحة منه لعمه وشفقة منه عليه، وأخبره أنه لا يغني عنه من الله شيئاً إذا أوحى إليه ‏: {وأنذر عشيرتك الأقربين }‏ [‏الشعراء‏:‏214‏] فقال ‏:‏ يا عباس ، ويا صفية، ويا فاطمة، إنى لست أغنى عنكم من الله شيئاً، لى عملى ولكم عملكم، وقد قال عمر بن الخطاب ‏:‏ لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل، لا تأخذه فى الله لومة لائم، وذكر تمام كلامه للمنصور ، ثم قال‏:‏ فهى نصيحة، والسلام عليك‏.‏ ثم نهض فقال ‏:‏ إلى أين ‏؟‏ فقال ‏:‏ إلى الوطن بإذن أمير المؤمنين‏.‏ فقال ‏:‏ أذنت لك، وشكرت لك نصيحتك، وقبلتها بقبولها، والله الموفق للخير، والمعين عليه، وبه أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبى ونعم الوكيل، فلا تخلنى من مطالعتك إياى بمثلها، فإنك المقبول القول غير المتهم فى النصيحة‏.‏ قلت‏:‏ أفعل إن شاء الله‏.‏ فأمر له بمال يستعين به على خروجه، فلم يقبله، وقال‏:‏ أنا فى غنى عنه، وما كنت لأبيع نصيحتى بعرض الدنيا كلها، وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه فى رده‏.‏

المزيد